يقف مخيم الرشيدية في جنوب لبنان على بُعد خمسة كيلومترات فقط من مدينة صور كأحد أكثر المخيمات الفلسطينية قربًا جغرافيًا إلى فلسطين المحتلة. فمنذ تأسيسه حافظ المخيم على مكانة استثنائية بين المخيمات الفلسطينية في لبنان ليس لموقعه فحسب بل لأنه يمثل ذاكرة وطنية حيّة وشاهدًا على صمود شعب لم ينس جذوره رغم كل التهجير والدمار.
جذور المخيم: من “معسكر” للأرمن إلى مأوى للاجئين الفلسطينيين
عرف المخيم منذ البداية باسم “معسكر الرشيدية” إذ أُنشئ القسم القديم في عام 1936 لاستقبال لاجئين أرمن.
وبعد النكبة الفلسطينية توسع المخيم عام 1963 ليضم القسم الجديد الذي استقبل العائلات الفلسطينية المهجرة من قرى ومدن مثل دير القاسي ونحف وألما النهر، ليصبح المخيم منذ ذلك الحين مأوى لمئات العائلات الفلسطينية، حاملة معها ذكريات الشتات وأحلام العودة، ليمثل نقطة ارتكاز للهوية الفلسطينية وصمودها.
قصة أطفال المخيم المقاومين
وبفضل تاريخه المقاوم ارتبط المخيم بلقب الآر بي جي بين أهله إشارة إلى أطفال المخيم الذين شاركوا في مقاومة الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، بعد أن واجه أشبال المخيم الدبابات الإسرائيلية بقذائف الآر بي جي.
هذا اللقب لم يكن مجرد رمز بل تجسيد لروح المخيم المقاوم الذي تحوّل فيه الأطفال إلى مدافعين عن الأرض والهوية رمزًا للصمود والتضحيات المبكرة في الدفاع عن فلسطين.
المخيم في مرآة التاريخ والمقاومة
يقع المخيم على الساحل وعلى مسافة قصيرة من مدينة صور ما يجعله من أقرب المخيمات الفلسطينية في لبنان إلى فلسطين المحتلة، ولهذا القرب وبالرغم من كل الظروف الصعبة أصبح المخيم في وجدان أهله نقطة تماس دائمة مع الوطن المحتل وصرخة مستمرة للحق في العودة.
مخيم الرشيدية لم ينسَ واجباته الوطنية فقد قدم شهداء في مختلف محطات النضال وكان آخرها في معركة طوفان الأقصى، حيث استشهد عدد من أبناء المخيم بغارة إسرائيلية، ليكون هذا الحدث كتأكيد على أن المخيم ليس مجرد مأوى بل امتداد حيّ للهوية والنضال الفلسطيني.
الواقع اليوم: صمود رغم المعاناة
رغم رمزيته وتاريخه العريق يعيش سكان المخيم اليوم ظروفًا صعبة، فالمساكن المطلة على الساحل تتعرض لتآكل دائم بسبب الأمواج وارتفاع مستوى البحر، وشبكة الصرف الصحي ضعيفة والمدارس التابعة لوكالة الأونروا مكتظة، بينما فرص العمل ضئيلة جدًا.

ومع كل هذه التحديات، يواصل السكان التمسك بهويتهم الفلسطينية، فالجدران المزينة بالأعلام والرموز الوطنية والفعاليات الشعبية والتظاهرات التضامنية مع غزة والقدس تؤكد أن المخيم قلب نابض بالمقاومة والصمود وأن صمود أهله جزء لا يتجزأ من الذاكرة الوطنية الفلسطينية.
الرشيدية اليوم: ذاكرة وطنية حيّة
يبقى مخيم الرشيدية باسمه القديم “معسكر الرشيدية” رمزًا حيًا للهوية الفلسطينية والصمود. ومع تقديمه شهداء في معركة “طوفان الأقصى” يثبت المخيم أن النضال الفلسطيني مستمر وأن كل زاوية فيه تحمل قصة كرامة وصمود.
المخيم بحاجة اليوم إلى دعم عاجل لإعادة تأهيل المنازل وتحسين البنية التحتية وتوفير الخدمات الأساسية وفرص العمل، لضمان حياة كريمة للأجيال القادمة.